شهد التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر للجزائر تراكم أعمال فكرية وعلمية للمئات من العلماء والمفكرين ذوي الأصول الجزائرية، من بينهم: القديس أوغستين البوني (العنابي)، وابن خلدون التيهرتي، وأبو يعقوب بن يوسف الوراجلاني، أبو عبد الله، محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني، محمد بن أبي شنب المدياوي، أحمد بن يحي بن محمد بن علي الونشريسي التلمساني، ومحمد بين يوسف اطفيش اليزجني المصعبي، وعبد الحميد بن باديس القسنطيني والبشير الإبراهيمي السطايفي، محمد أركون الزواوي، ومولود قاسم نايت بلقاسم البجاوي، ومحمد بجاوي التلمساني، وجيلالي اليابس البعلباسي، ومالك بن نبي التبسي، وغيرهم كثيرون، ممن لا يمكن حصر قائمتهم في هذه التقدمة القصيرة لإشكالية الندوة، والذين ينتظر من المشاركين إعادة اكتشاف أسمائهم المعروفة أو الكشف والتعريف بأسمائهم وإسهاماتهم المجهولة أو المنسية أو المجهّلة أو…
أو المغيبة في خزائن المخطوطات وفي أرشيفات المكتبات الخاصة والعامة وذاكرات المصنفات الصادرة في العصور القديمة والوسيطة والحديثة.
وقد كانت لأولئك مساهماتهم في مجالات المعرفية المختلفة جليلة، وفي مجال المعرفة السياسية مشهودة، لكن تلك المساهمات لم تحظ بالدراسة العلمية الأكاديمية المعاصرة الكافية، التي تُعمِل فيها مزيدا من الاجتهاد الفكري حفرا وتنقيبا وتفكيكا وإعادة تركيب وتصنيفا ومقارنة وتجميعا وترتيبا.
وإن مما تشتكي منه مضامين الكتب التي يتم نشرها داخل وخارج الوطن الجزائري والأعمال الأكاديمية التي يتم مناقشتها سنويا داخل الجامعة الجزائرية وخارجها، في حقل العلوم السياسية، تفكيرا، وتنظيرا، وترجمة، وتفلسفا، خلوها أو تكاد من العودة إلى تلك المناجم أو المصادر البيبليوغرافية العلمية الثرية، وكأن مدرسة العلوم السياسية وليدة الستينيات من القرن الأخير، يتيمة الأصول، والذي هو انعكاس للتجهيل الذي تمارسه فئات من النخب المنضوية ضمن المدارس الغربية المهيمنة على التراث الفكري والتنظير السياسي، على تراث الشعوب غير الأوروبية الأصول، وكأن المعرفة السياسية هي فقط نتاج المدارس اليونانية فالرومانية، فالنهضوية والتنويرية الأوروبية، فالمعاصرة الأنجلو ساكسونية والفرانكفونية.
ولذلك يعتبر الاهتمام الأكاديمي بمثل تلك الإسهامات العلمية الجزائرية في حقل العلوم السياسية، من واجبات النخب العلمية المعاصرة عامة، والجزائرية المقيمة داخل الجزائر وخارجها ؛ كما يعتبر ذلك الاهتمام الأكاديمي من ضرورات الانفتاح على الذات العلمية الوطنية بكل تنوعاتها الأيديولوجية والمناطقية والأعصرية واللغوية، بما يمكن جامعاتنا ومجتمعاتنا من الانطلاق في فضاءات العولمة وهي تمارس بثقة واقتدار وندية، فضيلة الحوار العابر للأوطان، من موقع التجذر الواعي في الذات المجتمعية الجزائرية عبر العصور، مع التفتح على الثقافات والعصور واللغات من الجهات الأربع للكوكب.
إن علوم السياسة وما تشتغل عليه من مباحث في الأخلاق والقيم والأفكار والمؤسسات والأحزاب والنظم السياسية ونظم الحكم والقانون الدستوري والمعارف الاستراتيجية والعسكرية والأمنية والقانون الدولي والاقتصاد السياسي والديبلوماسية وفنون التفاوض والوساطة والصلح والعلاقات الدولية ودراسة ظواهر الصراع والتكامل الأممي والدولي ومسائل تنظيم الدول والأقاليم والإدارة العامة، والتاريخ السياسي والحقوق والواجبات الإنسانية والمواطنية، والحكم الرشيد، وغيرها من المباحث التي تزخر بها مصنفات علمائنا الجزائريين الموسوعيين أو المتخصصين في علم السياسية، لمما يجب الكشف عنه وتصنيفه نقده وإعادة إخراجه إلى النور لتستفيد منه أجيال الخريجين الباحثين من أمم الأرض كلها، ومن أرض الجزائر خاصة ؛ ومن هنا ستطرح هذه الندوة العلمية الوطنية السؤال المركزي التالي: ما هي طبيعة وحجم ومجال وأهمية إسهام النخب العلمية الجزائرية قديما وحديثا في التفكير والتنظير السياسي؟
-1-مطوية الندوة النقاشية العلمية الوطنية -
-2-مطوية الندوة النقاشية العلمية الوطنية -