ثنائية الكم والكيف في التلقي النقدي المشرقي لأدب الطاهر وطار

(الأكاديمي والالكتروني)

 

د. عبد العزيز شويط

جامعة جيجل(الجزائر)

 

مقدمة

هل يمكن القول أن : الطاهر وطار ( رحمة الله عليه ) قامة تأسيسية من قامات الرواية العربية المكتوبة باللغة العربية _ بعد الاتفاق على أنه قامة من قامات الرواية الجزائرية و المغاربية _ بوعي و إدارك لعلاقة اللغة بالهوية و الوطن و الوطن العربي الأكبر تحديدا  ، و علاقة السرد بالعلم و الفن ، و أيضا  علاقة الفن بالالتزام ؟

هذه الشبكة من العلاقات هي التي صاغت الطاهر وطار الروائي الفنان ، وهي التي ستجيبنا عن درجة التصنيف ، تؤازرها عملية تتبع الانتشار المحقق و التربع و الاكتساح و الانتشار للمقروئية و التلقي  الإمتاعي و النقدي ، سواء في اتجاه ثنائية  الورقي / الإلكتروني ، أم في اتجاه ثنائية  الزماني / المكاني ، أم في اتجاه ثنائية  الأكاديمي / الثقافي .  أم في اتجاه ثنائية النقدي/  و الإمتاعي التعليمي .

هذه الأسئلة كهموم معرفية مبحثية في الحقيقة تؤدي وظيفة التوضيح على طريقة القدماء في منهج الإجمال الذي يليه التفصيل  تتبعها عدة أسئلة أخرى من مثل :  هل استطاع الطاهر وطار أن ينتشر على البعدين العربي و الإفريقي و لما لا الدولي ؟ و هل استطاع أن يتربع على الزمن الإشتراكي و الرأسمالي ؟ و هل استطاع أن يحقق الانتشار الورقي و الإلكتروني ؟ ... الخ من الاتجاهات التي حددناها سابقا .

و إن كان هناك من يفهم الواقعية على أنها التوثيق فهذا ألبيريس يتحدث عن رواية القرن التاسع عشر الواقعية في أوروبا ن فيقول عنها : (( إلا أن الرواية تلقت في القرن التاسع عشر ، التحول الكبير الذي سيؤكد نموها و قوتها و نجاحها : فقد غدت وثيقة محولة إلى رواية ))

تتحدد قيمة الأديب عادة بالانتشار العالمي لكتبه و أدبه من منظور سوسيوجيا الأدب و التلقي ، و الانتشار المحلي ليس كالانتشار  الوطني وليس كالانتشار الإقليمي و ليس الانتشار القاري و ليس كالانتشار العالمي ، و هذا الأخير لا سبيل إلى تحقيقه غير الترجمة و تحويل كتبه إلى أفلام ، لأن السينما تؤدي إلى الانتشار السريع للأدب .

العالم العربي عالم بأتم معنى الكلمة جغرافيا و بشريا ، و لكن توزع المد الشيوعي قد يجعل من الرواية الاشتراكية الوطارية ذات بعد شرقي تابعة للمعسكر الشرقي في زمانه و المجتمع العربي و الإسلامي و الإفريقي و حتى الفرانكفوني و إن كان الطاهر وطار كاتبا عروبيا ، و لكن العلاقة المتعدية تكفل له الانتشار الفرانكفوني إن تحقق عامل الترجمة و هو ما يفضي به إلى العالمية ، يضاف إليها التصاق الطاهر  طار دائما بالحزب الحاكم في وطنه مما يعطيه الطابع الرسمي و التمويل الكافي لطبع أعماله ، أما ارتباطه بالصحافة و الحركة الجمعوية و ربطه صداقات مع أكاديميين نقاد فيضمن له الانتشار الإعلامي و النقدي و الأكاديمي الجامعي .

ثنائية المشرق و المغرب في السرد ، إذا أردنا أن نعلي من قيمة المغرب ، لا تتحدد فقط بالحمار الذهبي لأبوليوس و لا بألف ليلة و ليلة الفاطمية المغربية ، و لا بالمويلحي ذي الأصول التونسية ، و  لا بالمسعدي الفيلسوف في " حدث أبي هريرة قال " ، و لا في أحلام مستغانميز  و إنما بكل بساطة تتحدد في كل هذه الأمور مجتمعة،  لأننا سنرى فيما يأتي لماذا المغرب العربي قريب من السرد أكثر؟ .

في سوسيولوجيا السرد و الرواية (عوامل الانتشار و التلقي )

ضمن موضوع تاريخ الأدب تتحدد علاقة مرحلة الطاهر وطار الإبداعية بالسياق الإيديولوجي للمبدع ، و علاقة و الوطن بالإطار الفلسفي للنص و متلقيه ، و أيضا علاقة الإطار المعرفي للمرحلة من جهة و الإنتاج الأدبي في تلك المرحلة بالطابع الاجتماعي/ القومي  الذي صاغ كل هذه الركائز الثلاث ( الإيديولوجية و  الطاهر وطار و الفلسفة الاجتماعية ).، و هو ما يحيلنا إلى نظرية القراءة و التلقي ذات الأبعاد الاجتماعية المكونة لموضوع علم اجتماع الأدب في علاقته بعلم الاجتماع العام ، و الأمر لا يتعلق بمقولة الأدب ابن بيئته ، فهذا الموضوع يدخل ضمن المكونات الداخلية للأدب ، و إنما موضوعنا يتمثل فيما هو خارجي عن الأدب ، على الأقل تحت هذا العنوان الفرعي " سوسيولوجيا الأدب و منه السرد و الرواية " ، و تتلخص الخارجية في الأدب بما يحيط به و له علاقة وطيدة به من وسائل كتابته و إخراجه و طرق انتشاره و أدوات إخراجه و مجموعات تليه و احتضانه و دوائر نقده و تلقيه ، و كلها تحوم حول الأدب و لا تمس مضمونه بطرف ، اللهم من حيث الغائية و العلة المدللة على الحكم المتعلق بما هو خارج الأدب .

و لذلك  يحدد روبيرا سكاربيت في كتابه " سوسيولوجيا الأدب" عوامل انتشار الكتاب ، و يحدد العاملين الجوانيين ، و هما :  الأديب و ما يتبعه من مشاكل في التأويل النفساني و الأخلاقي و الفلسفي و النص الأدبي و ما يطرحه من مشاكل جمالية و فنية و أسلوبية و لغوية و تقنية على حد تعبيره ، و أما الأمر الثالث _ و هو موضوعنا _  و يتعلق بالتلقي ن و إن لم يشر إليها هنا صراحة بالاسم ن  و إنما استعاض عنها بلفظ الجمهور ذي الدلالة الاشتراكية  و ما يتعلق بها من مشاكل " ذات طابع تاريخي و اجتماعي و سياسي و اجتماعي و اقتصادي أيضا . هناك على الأقل ، ثلاثة آلاف طريقة لارتياد الحدث الأدبي و دراسته "

حقيق بنا الاعتراف أن البيئة العربية ليست كالبيئة الأوروبية ، و أن عقلية السلطة الأبوية ليس كالثورة على عقلية " هل المرأة إنسان أم شيطان جميل؟ "كما طالما نوقشت القضية في الدوائر الفكرية و السياسية الغربية إبان القرون الوسطى و حتى إبان مؤتمر فيينا .، و حقيق بنا أيضا أن نعترف بأن الرواية ليست فن العرب الأول على امتداد الزمن العربي الأدبي،  و حتى السرد بصفة عامة ، و المرأة أقرب إلى السرد من الرجل ، و الرجل أقرب إلى الشعر من المرأة على سبيل الجودة و الكثرة ، و أن المجتمع العربي مجتمع الرجل و ليس مجتمع المرأة ، كلها عوامل حددت الفروق بين السرد عندنا و السرد عندهم ، مع الوعي بالتجاذبات الحاصلة بيننا و بينهم، و علاقاتنا بهم ، و تواصلنا معهم نحن و هم ضمن مقولة الأنا و الآخر . و إذن هل مستوى التلقي للسرد و الرواية  عندنا هو نفسه عندهم ؟ بالطبع الجواب لا ، بالنظر إلى ما ذكرناه سابقا ، أما السؤال الثاني فهو : هل أخذنا نظرتهم الأخيرة للرواية و السرد عموما ؟ و الجواب هذه المرة بنعم . ليس من منطلق مقولة ابن خلدون بأن المغلوب موكل بإتباع الغالب ، و إنما للتقارب الحاصل بين مجتمعنا و مجتمعاتهم منذ مرحلة الاستعمار ، و منذ  أخذنا بمناهج الفلسفة الحديثة و العلم و الأدب الحديثين  التي هي من صميم إبداعاتهم .

لقد أصبحت الرواية أدبنا الأول مثلما هي أدبهم الأول ، فقد أصبحت المرأة مثل الرجل أو تقريبا مثله إلى حد ما منذ قاسم أمين ومحمد عبدو و جمال الدين الأفغاني و إلى نوال السعداوي يوازيها المد الإسلامي الإيديولوجي ، و المرأة أم السرد شئنا أم أبينا منذ ألف ليلة و ليلة و القصص الشعبية التي تحكيها الأمهات للأولاد .

بينما تلقف السرد السينما و المسرح ،و أدى أفول المد القومي إلى ذهاب حماسة البحتري و حماسة درويش و الزياد و سميح القاسم ، و تخنث حماس القباني و أصبحنا أمة روائية بلا منازع منذ طمعنا في ترشيح طه حسين و العقاد و مالك حداد و سنطمع في ترشيح آسيا جبار و أحلام  مستغانمي إلى جائزة نوبل . و قد كتب هؤلاء في السرد كما كتبوا في الشعر . بينما يحدث كل ذلك احتلت الرواية و القصة عموما مركز الريادة في سلم الترتيب الأدبي عندنا نحن العرب المتأثرين بالغرب في آدابه و في انفتاحه على الحريات .

هل يمكن أن تصبح أمة الشعر أمة سردية ؟. المسألة عقائدية أكثر منها اجتماعية فلسفية وأدبية ،  فلن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين كما يخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم ، و العرب ما تزال تقول الشعر ، و لكنها تكتب السرد أيضا ، و القرآن فيه من السرد ما ليس فيه من الشعر .ثم أن هذا النص الديني  العقائدي يعني الفعل و التحقق و لا يعني الاستيلاء و الغلبة .

تلعب الهوية دائما دورا فعالا في تحديد خيارات كل شعب و كل أمة ، و أي زحزحة ، و إن كانت بسيطة في مكونات الهوية تؤدي إلى زحزحة الخيارات و المصالح العليا للمجتمع ، هل بقينا عربا معتزين بعروبتنا ؟ أم فرقتنا النزعات الإقليمية و وضعنا آذاننا الصاغية إلى الغرب؟ حتى أصبحت عندنا الرواية خير من الشعر ؟ الأمر لا يناقش من وجهة نظر القيمة ، و هل هذا أفضل أم الآخر ، فقد يكون التحول أحسن و أفضل للأمة من السائد ، بما في ذلك ما يأتينا من الغرب ، و إنما المسألة مسألة ، هل حقيقة تغيرت قيمنا و تزحزحت بعض جوانب هويتنا حتى صرنا نجعل الرواية موضع الشعر ؟

فبعد أن يؤكد الدكتور عبد الله إبراهيم على عناصر  الراوي و الرواية و المروي له · في  تحديد أهمية تلقي السرد ، يرجع الفضل في تسليط الضوء على الرواية و السرد عموما إلى نظرية القراءة و التلقي التي يقول عنها الكاتب نفسه  : (( تعد نظرية التواصل إحدى الخلفيات المنهجية التي أثرت السردية . و كان الاهتمام بالتواصل الخارجي بين النصوص الأدبية و المتلقين مثار عناية رواد نظرية التلقي ، و ذلك قبل أن تتوسع اهتمامات الباحثين اللاحقين ، لتنقل الاهتمام من التلقي الخارجي إلى التلقي الداخلي الذي يعنى بفحص طبيعة التراسل الداخلي في النصوص الأدبية )) هذا من وجهة نظر التلقي و الاستقبال للسرد ، لأن موضوع حديثنا هنا هو السرد ، تمييزا له عن باقي الأجناس و الأنواع الأدبية الأخرى المعروفة و غير المعروفة عند العرب .

و مهما يكن فإنه في البدء كان النثر ، و النثر من قبيل السرد أكثر من كونه من خصائص الشعر ، و هو ما يؤكده الدكتور عبد الله إبراهيم نقلا عن فهوم النقاد المغاربة القدماء كعبد الكريم النهشلي و ابن رشيق لمتطلبات التاريخ العربي في تلقيه للنثر ثم الشعر[iv] مؤكدين و مؤكدا هو معهم بدائية تلقي النثر .

إن زوال الاعتراض على العمل الروائي في الغالب هو الذي يعطي القيمة لتلقيه ، فالإنسياق وراء الأحداث تأسر القارئ و تضعف لديه القدرة على الاعتراض و الرفض و الانتقاد و اكتشاف اللامنطقية التي قد توجد في النص القصصي أو الروائي ، كما يؤكد على ذلك جيرار جينيت عند دراسته لرواية بروست فيما يذكره بقوله : ((  هذه الأمبريالية النظرية و هذه الحقيقة المؤكدة قد يمكنهما أن تحملا على الظن أن دور المرسل إليه سلبي تماما هنا ، أي أنه ينحصر في أن يتلقى رسالة عليه أن يقبلها كما هي و في أن يرفضها و في أن " يستهلك " بعد فوات الأوان عملا أدبيا أنجز بعيدا عنه و من دونه . و قد\ لا يكون هناك شيء أكثر مناقضة لاقتناعات بروست و لتجربته الخاصة في القراءة ، و لأقوى مقتضيات عمله الأدبي   )) ،  و هو ما من شأنه أن يعطي الانطباع بالانتشار الكبير للرواية و جعلها جماهيرية أكثر من أجناس الأدب الأخرى ،  نظرا لتوفر عوامل الانسياب و الانسياق في التلقي ، حتى وجدنا من يسمي المسألة بسحر الحكي . 

أما إذا نظرنا إلى مشاركة القارئ في تألف النص القصصي أو الروائي فلن نجد خيرا من عناصر التشويق و المماطلة و العقدة و الحل يضاف إليها ما للشخصية من جاذبية و من تأثير على القراء المتلقين بغية تحليل الشخصية و هذه المشاركة فعالة و إيجابية تتسم بالتوافق لا بالتعارض ، فيتحقق التلقي المطلق و الأوسع .

وطار و المغرب العربي ( ثنائية المشرق و المغرب )

لقد أثار الأستاذ وسيني الأعرج مسألة علاقة المشرق بالمغرب أدبيا في تاريخانيتها و في حاضرها ، كما شغله أيضا هم علاقة المركز  بالأطراف ، كما شغلته  مقولة " بضاعتنا ردت إلينا " و شغله و هم الشعور بالدونية ، و نظرة الاحتقار ، و اعترف بأن أدب المغرب قليلا ما يصل إلى المشرق و مع ذلك لا يتم الاستغراب  بينما أدب المشرق إذا لم يصل إلى المغرب فكأن الأمر جريمة و هو ما من شأنه أن يثير الإستغراب ،  مما حدا بالجيل الجديد من الأدباء و النقاد المغربة أن يحاولوا مرارا و تكرارا أن يغيروا تلك النظرة ، مرة بالتأكيد على تفوق المغرب من خلال الإنتاج الجيد و الوفير و هو ما يعني تطبيق سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع ، و مرة أخرى عبر التأكيد على الارتباط من جهة و التكامل من جهة ثانية  فلقد (( لقد بنى جيل التأسيس للرواية المغاربية  باللغة العربية ...كل مشروعه على العلاقة الوشيجة و الطبيعية مع المركز الشرقي و المصري تحديدا ، مما سمح له بالانخراط عميقا  في انشغالات الثقافة العربية ساعتها و التأثر بكتابات الرعيل الأول الذي أنتج نصوصه من خلال مثاقفة إيجابية مع الثقافة الغربية ... علاقات التأسيس مشرق – مغرب التي تحكمت في صيرورة الكثير من الأجناس الأدبية انهارت اليوم و حل محلها شيء آخر تحكمه السهولة ، سهولة الرفض و سهولة القبول و سهولة الحكم و الصراعات الوهمية لأنها في الأصل مبنية على سوء معرفة للذات الواحدة في تعددها و تنوعها ))فكان كل من المسارين محققا لدفع التهم و تجاوز نظرة الدونية بفرض الذات و بالالتحام مع الذات التي تم إثبات التجانس معها و هي الذات المشرقية .

 

إن مسألة المغربية تقابلها المشرقية ، و الدكتور عبد الله  ابراهيم  مثلما انتبه إلى مسألة التلقي المغربي للسرد في مقابل تلقي المشرق له ،  انتبه أيضا و نقلا عن ابن خلدون إلى مسألة الاقتراب من السرد أكثر من الشعر كلما ابتعدنا عن مركز فصاحة اللغة العربية ، و المغرب العربي ليست له نفس الدرجة الممتازة في فصاحة اللغة إذا ما قورن بالمشرق العربي ، و منه اقترابه من السرد أكثر من اقترابه إلى الشعر بالنظر إلى اللهجات و اللغات ، فالفصاحة العالية إلى حد بعيد هي لغة الشعر ، يضاف إليها الثقافات الشعبية المغربية المدعمة للتلقي السردي و الإبداع السردي أكثر من غيره  فالآداب الشعبية السردية أكثر انتشارا من الآداب الشعبية الشعرية .

ثنائية المشرق و المغرب عند الطاهر وطار ذات رؤية مميزة ، و تروم التمايز و تتحدث عن حدوثه بوعي ، فهو قد حدد ، من حيث كونه روائيا مغاربيا ، علاقته بالرواية المشرقية بقوله : (( من الناحية التقنية ، لا نأخذ أسلوب القصة كما حدده الأوروبيون أو المشارقة و تعاملنا مع التاريخ تعامل جدي ، و معايشة مواطنين يشعرون بأنهم جزء من كل بينما في المشرق تعامل من الخارج كمستشارين فنيين )) و مع ذلك فهو أقرب إلى المشرق منه إلى أي بقعة أخرى من الأرض ، بما في ذلك الأفارقة في الجنوب . حتى إذا نظرنا مثلا إلى كتاب من مثل " الاتجاه القومي في الرواية " للدكتور مصطفى عبد الغني نجده يعد الروايات الأربع للطاهر وطار ( الزلزال _ اللاز 1و 2 _ عرس بغل _ العشق و الموت في الزمن الحراشي ) و يصنفها بأنها من الروايات العربية التي تحسب على القومية العربية ، مما يضمن التلقي العربي المشرقي للرواية الوطارية من جهة ، و يضمن أيضا انتماء روايات الطاهر وطار إلى الحيز القومي العربي بشقيه المشرقي و المغربي ،  بكل ما تعنيه القومية العربية من إيغال في مفهوم العروبة .

المد الاشتراكي للرواية الوطارية في المشرق العربي ( البعد العمودي المكاني للانتشار )

محور هذه المسألة هو محور مكاني قبل أن يكون محورا إيديولوجيا ، لتعلقه بالجهة ( شرق / غرب ) و إن كنا نعتقد بداهة أن المد الاشتراكي في المغرب و المشرق العربيين امتداد للإيديولوجية الاشتراكية الثورية في روسيا و في غيرها من معاقل الصراع بين الشرق و الغرب ، و الذي درج عليه القوم عندنا و عندهم ، و تجلى في أدبنا و أدبهم ن حتى صرنا به تابعين لهم ، هو موضوع الصراع الطبقي و رغبة المد الاشتراكي في حل هذه المسألة بإلغاء الطبقية كموضوع للعمل السردي منذ بزوغ فجر الإيديولوجية الاشتراكية عند العرب .

الأدب صورة للواقع ، و وصف للمجتمع ، و سرد لتفاعلاته و الأفكار السائدة فيه بتنظيراتها و تطبيقاتها ، و (( الخطاب الإيديولوجي ليس كل شيء في الأيديولوجية ، إنه في شكله الأعم مجموعة النصوص التي تعطي الإيديولوجية حيزا خاصا في مجال التواصل الاجتماعي. و الدراسة الشاملة للإيديولوجية لا تنحصر في دراسة صعيد الخطاب فيها . ثمة أصعدة عدة ينبغي تناولها بالتحليل للحصول على نظرة علمية وافية إلى إيديولوجية معينة ،...إلا أن صعيد الخطاب الإيديولوجي يصح أن يكون موضوع لتحليل خاص ، نظرا لما يتمتع به من مقومات ذاتية و من أهمية في تغلغل الإيديولوجية و تغلغلها و انتشارها و انتقالها عبر الأجيال . و في الواقع لا يمكن عزل الخطاب الإيديولوجي عن السيرورة الاجتمناعية للإيديولوجية عزلا تاما إلا أن هذا لا يعني أن القراءة التحليلية للخطاب الإيديولوجي ينبغي أن تتم بالضرورة بعد دراسة البنية الاجتماعية باعتبارها بنية متحققة موضوعيا و محددة لتكوين صعيد الخطاب الإيديولوجي و دوره . إن صعيد الخطاب الإيديولوجي جزء لا يتجزء من البنية الاجتماعية الشاملة و العلاقة القائمة بينه و بين سائر أصعدتها يمكن أن تكون علاقة انعكاس أو تبعية كما يمكن أن تكون علاقة توجيه أو غير ذلك من علاقات الفعل و الانفعال . و لذلك ينبغي تناول صعيد الخطاب الإيديولوجي على قاعدة الواقعية الجدلية النسبية ، و التركيز على بنيته الذاتية كمدخل إلى فهم حركة البنية الاجتماعية بكاملها  ))

من خلال التشابه الحاصل في الإيديولوجيا العربية المشرقية و المغربية كانت جسور التلاقي ، و لاسيما في بعدها الثوري . فإلى جانب اللغة كانت السياسة الواحدة و الإيديولوجيا الواحدة عامل اتصال و ترابط بين الرواية المغاربية و منها الوطارية و الرواية المشرقية ، أو بين الرواية الوطارية و الشعب العربي المشرقي المتخصص سواء الأكاديمي الدارس الناقد  أو المتلقي القارئ العام . ، فالجزائر البومدينية تتجانس في الإيديولوجيا مع مصر الناصرية و مع سورية الأسدية ومع  غيرها من الدول ذات المد الاشتراكي ،  على اعتبار أنها حواضر فنية و علمية و أدبية تتبع فلسفة بوشكين و ماكسيم غوركي و غيرهما من أدباء و نقاد روسيا الاشتراكية .

إن ما ارتضيناه لأنفسنا من إيديولوجية سياسية و اجتماعية و اقتصادية نرتضيه لأنفسنا كإيديولوجية أدبية من حيث التقنية و الأسلوب و كإيديولوجية مضمونية من حيث الموضوعات المعالجة في الأدب .

لسنا في حاجة في هذا الموقف الوصفي التاريخي أن ندلل على اشتراكية الأعمال السبعينية للطاهر وطار ، و إنما سنعتمد على التطرق النقدي لأعماله للتدليل على امتداد إيديولوجية أعماله للأيديولوجية النقدية للنقاد المغربة و المشارقة على حد سواء ، فلقد حدث شبه تطابق بين رؤية الناقد و رؤية الروائي و القاص للدراسة الإيديولوجية للرواية المغاربية ، لاشتراك النقاد و الدارسين و المبدعين في نفس الإيديولوجية ، و أحيانا لكون المبدعين هم أنفسهم النقاد و الدارسين ، فعلى مستوى النظرة إلى الحداثة في الأدب كان (( المفهوم الجديد للحديثية يمارس لا كمهنة نقد و لكن كمفهوم للإيديولوجي ، إذ لا نجد أنفسنا بتاتا أمام مختص في هذا الفن الأدبي . و قد مكنت هذه العلاقة الجديدة المؤسسة النقدية أن تدخل في احتكاك مع وعي جديد للقضايا ، و هو ما تمنحه القراءة الاشتراكية و الانتماء الطبقي للناقد الإيديولوجي . و الجماعة الجديدة التي تمثل هذا الاتجاه منذ 1962 حتى 1974 لم تغير مواقفها من الإنتاج الروائي الأدبي ، إنما تخصصت في إنتاج أشكال حديثية سوسيولوجية ( 42 ) بنيوية ، و بنيوية تكوينية لا تمارس بالفعل على الأعمال الروائية إلا على مستوى تجريبي ( 43 ) أو بطريقة اقتباسية و انتقائية  ))فحدث التوافق غير المحتشم بين العالم الناقد و المبدع في فهم الحداثة فهما إيديولوجيا ، و منه أصبح السياق لدى المشارقة و المغاربة متقاطعا في فهم الإيديولوجية الأدبية و أدب الإيديولوجيا .

من ذلك نظرة الأدباء العرب المشارقة و المغاربة و معهم في نفس الزاوية نظرة النقاد و الدارسين مشارقة أكانوا أم مغاربة إلى الواقعية و مفهومها ، و هو نفسه المفهوم الإيديولوجي الاشتراكي لها ، فعندنا كما عند المشارقة ، كما في الديموقراطيات الشعبية كما في روسيا و بكين ، كما في ألمانيا الشرقية :  (( الواقعية متصلة بمظلات أو أسماء نقدية كثيرة ، مثل الواقعية الاشتراكية ، النقد الاجتماعي ، النقد الإيديولوجي ، الماركسية ، النقد اليساري ، البنيوية التكوينية )) و ما يقال عن النقد يقال عن الأدب ، لأننا لا نتصور نظرية أدبية أو اتجاه أدبي أو زمرة إبداعية أدبية دون خلفية نقدية .

إن صورة الآخر المشرقي في التعامل الإيديولوجي من خلال الخطاب الأدبي العربي الروائي يكاد يكون منعدما ، لا في الرواية الوطارية و لا في الرواية المغربية عموما ، فلم تظهر بعد اتفاقية كامبديفد ليصبح المشرقي أو المصري آخر ن و منه انتفت صورة الآخر المشرقي من منظور الرواية المغاربية ، مؤكدة على الانتماء و منه على قابلية التلقي المشرقي لها تلقيا إيجابيا مختلف تماما عن مدلول مقولة " من تعلم لغة قوم أمن شرهم " ، و لذلك انتفت صورة المشرقي آخرا ، فلم يتحقق (( مستوى التعامل الإيديولوجي ، و معناه مجموعة من العلاقات التبادلية ، السلبية أو الإيجابية فيما بين جماعات ذات أبعاد تاريخية ، بواسطة المنظومات الفكرية التي تستخدمها هذه الجماعات للتعبير عن هوياتها التاريخية و للدفاع عن مصالحها و تطلعاتها ، و لمعالجة مشكلاتها المتجددة )) ففي مثل حال المغرب و المشرق قد توحدت المنظومة الفكرية و توحدت الأبعاد التاريخية و أصبح لدى المشارقة و المغاربة مصيرا مشتركا و تطلعات مشتركة و مشاكل مشتركة تتطلب الحل التعاوني المشترك .

لقد اهتمت النظرة الاشتراكية كثيرا بالواقعية في الآداب من حيث كون الأدب الإشتراكي أدبا واقعيا ، فقد  (( برزت الواقعية كانعكاس في الفن لانقلاب تقدمي عظيم الأهمية شهدته الإنسانية في عهد النهضة ، في عصر تطور علاقات اجتماعية جديدة أعقب مرحلة الإقطاع و في عصر انبعاث شخصية الإنسان فقد طرحت النهضة Renaissance مقولة الإنسان و المجتمع بمفهوم إنساني جديد لا علاقة له باللاهوتيات Theology  القروسطية ، و صارت الأناسية Humanism التي تبوأت مقام الروح في الظروف الاجتماعية – التاريخية الجديدة ، الأساس الفكري لفن الواقعية )) مما يعني التطابق بين ما تدعو إليه الإيديولوجية الإشتراكية ، ليس من منطلق تشريح الواقع كواقع حقيقي و إنما كإطار تخييلي يخدم الفن و التصوير المتطابق مع الواقع ، (( و يجب أولا أن لا نخلط بين " الواقعية و " الحقيقة " بمعنى المنطق الصوري . الحقيقة بالنسبة لعلماء المنطق هي علاقة التوافق الفردي للجملة و المرجع الذي تصرح فيه بشيء ما ، إذن الجمل التي يتكون منها الخطاب الأدبي ليس لها مرجع فهي توضع كقصد تخييلي ، و قضية حقيقتها مجردة من المعنى ... ليست الحقيقة إذن هي جوهر القضية في العديد من المناقشات التي كرست " الواقعية " أدان الشكلانيون الروس بشدة هذا الخلط ... )) ربما التركيز على مسألة الحقيقة يصب في هدف  الكشف ، و أما التركيز على الواقعية  فيصب  في  التصور العقلي و المنطقي لحل المشاكل عن طريق الصورة الخيالية التي تتطابق مع الواقع و المنطق و تشبه الحقيقة .

و هنا تجدر الإشارة إلى أن  الواقعية الإشتراكية الجديدة ليست بدعا في الوجود ، بل أدى  (( تحول الرواية الواقعية الموروثة عن القرن 19 إلى رواية واقعية جديدة  ))فقد بشرت كثير من الإرهاصات الفلسفية و الفكرية بمجيء الإشتراكية في أوروبا ، و قبل الثورة البلشفية سنة 1917 في روسيا .

ما حظ الطاهر وطار من الإيديولوجية الإشتراكية ؟ سؤال يطرح بخصوص كاتب روائي يحسب على الإشتراكية ن يكفي الإشارة إلى أن (( هيمنة الإيديولوجية على الخصائص الفنية في رواية " العشق و الموت في الزمن الحراشي " تجعلنا نصنفها فنيا ضمن الكتابات الواقعية ، التي ميزت مرحلة نشأة الرواية العربية الجزائرية في السبعينات ، التي استفاد كتابها من المدرسة الواقعية الإشتراكية و تحليلها لعلاقة الأشكال الذهنية بالمحيط الاجتماعي و الرؤية الجمالية المنبثقة عنها ))  و بهذا المثال نكتفي بالتدليل على اشتراكية الأدب الوطاري ، كما يمكن أن ندلل على ذلك عبر مسلك آخر و هو مسلك الالتزام .، فالالتزام و إن كان من خصائص الآداب الموضوعية التي تركز على المضمون ، إلا أنه من خصائص الآداب التي تركز على المحتوى الفني أيضا ، و منه فقد  (( طغى مصطلح الالتزام الذي يستند – كما هو معروف – إلى خلفية إيديولوجية هي وليدة تحولات مدرسية شهدتها أوروبا مطلع هذا القرن فكان التزام الأديب الجزائري كما يرى وطار نابعا من اقتناعه في إطار الإيديولوجية الاشتراكية و أن يكون التزام العامل المناضل الذي لا ييأس من صلاح الأوضاع ، و يتحمل من أجل المحافظة على الخط الاشتراكي كل ما يصيبه من أتعاب ))و لست أدري لم تغافل الدارس عبد القادر بن سالم عن المد الثوري البروليتاري و البرجوازي المشرقي في شكل الثورة المصرية و ثورة الضباط الأحرار و الوحدة العربية السورية و مدهما الاشتراكي و تأثر الهواري و قبله بن بلة من خلال علاقة و انتماء و قرب هذه الثورة من تلك الثورة و اتجه إلى البعيد البعيد و هو تحولات أوروبا المدرسية ؟؟ و من المعلوم أن الحزب الشيوعي الجزائري إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر لم يكن ذا قيمة تذكر رغم ارتباطه بالاتجاه اليساري الفرنسي .

واسيني الأعرج الذي يكتب هو بدوره بالعربية ، و درس سنين طويلة في دمشق السورية الأدب العربي ، مما يعني أنه محسوب على تيار العروبة و المغاربة الميالين إلى المشرق العربي ، نراه يمهد لواقعية الطاهر وطار فيقول عن مفهوم الواقعية عموما و منها واقعية الطاهر وطار : (( لقد استطاع الطاهر وطار بتجربة ثورية جيدة ، و هو بلا شك يكتب بنفس تقدمي واضح لا يحتاج إلى تزكية أو شهادة إثبات ، أن يفتح مرحلة جديدة ، لتطور الواقعية الاشتراكية في الرواية الجزائرية ذات التعبير العربي ، مستفيدا من ثقافته التراثية و الحديثة ، الجيدة ، و من واقعه الذي يعيشه بعمق بحكم عمله السياسي كمراقب في الحزب ، و الذي كون لديه القناعة التاريخية التي تعتبر أن الفن ليس مجرد تعبير عن الواقع ، بل هو أداة فعالة لتغييره )) فالتراث الشبه اشتراكي هو تراث مشترك بين المشرق و المغرب شئنا أم أبينا بما في ذلك مقولات العدل و المساوات في التراث الديني و حتى مقولة " أن أبا ذر الغفاري كان اشتراكيا " .

وطار و الستين سنة من عمره ( البعد الزمني الأفقي للإنتشار)

قديما كان علماؤنا في النقد يجعلون مقياس الجودة في الإبداع الشعري الجودة و الكثرة ، و إذا تحققت الجودة بالقصيدة الواحدة فإن الكثرة تتحدد بالكثير من القصائد ، و الكثير من القصائد قد يقولها الشاعر في وقت قصير و قد يقولها في وقت طويل يقارب عمر زهير بن أبي سلمى ، و لذلك كان لعامل طول الزمن و طول العمر أثر بالغ في كثرة الإنتاج الأدبي ، عمنا الطاهر رحمه الله من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي 1936 تحديدا، فقد زاد عمره عن السبعين عاما و السبعين عاما تشبه " و من يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم " كما تتفق مع مقولة " أعمار أمتي ما بين الستين و السبعين " و منه فقد طال عمر الطاهر وطار و انعكس طول عمره هذا على إنتاجه الأدبي حتى أنتج ما يزيد على 17 عمل بين المجموعات القصصية  و الرواية و المسرحية و السيناريو و الترجمات الأدبية ، كما كتب عشرات المقالات في الصحف و المجلات التي أسسها و في غيرها . مما يجعل له رصيد هائل من الأعمال الأدبية و المقالات النقدية و السياسية .

 

وطار و اللغة العربية في زمن المفرنسين ( التكوين الزيتوني و التعليم الحزبي و المهني الصحفي ) :

تكوين الطاهر وطار في الأصل هو تكوين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، يضاف إليه تكوينه الزيتوني الذي ما لبث يتحدث عنه هنا و ناك مما لا تذكره المصادر التاريخية كلما استدعت الضرورة لينفض عنه عباءة اليساريين متبرئا منهم . فمنذ سنة 1950 و هو طالب في مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين .

سواء التعليم في جمعية المسلمين أو التعليم الزيتوني يتخذ من اللغة العربية قناة للتواصل العلمي ، مما يعني انحياز الطاهر وطار إلى صف الكتاب باللغة العربية أمام شريحة واسعة جدا في المغرب العربي و الجزائر تكتب باللغة الفرنسية ففي الجزائر مثلا نجد كتاب رواية أفذاذ من مثل كاتب ياسين و رشيد بوجدرة في البداية و مالك حداد و آسيا جبار ممن أتاحث لهم اللغة الفرنسية القرب من العالمية ، و منه فقد أصبحت الكتابة بالعربية في بلد تمثل فيه شريحة المفرنسين في اللغة أقرب إلى المشرق العربي منها إلى أوروبا ، بل إيديولوجيا يمكن اعتبار الطاهر وطار و أضرابه ممن يكتبون باللغة العربية محسوبين و تابعين إلى المشرق العربي ، مركز العروبة و اللغة العربية ، في مقابل وجة الفرانكفونيين إلى فرنسا مثلا .

الاستثناء الوحيد الذي اجتمع فيه المفرنسون و المعربون من كتاب القصة و الرواية في الجزائر و المغرب العربي هو النظرة إلى الغرب المستعمر ، باعتباره آخر و النظرة إلى العرب و المسلمين في المشرق ضمن الأنا .

اللغة العربية مكون حضاري أساسي في تكوين الأمة المغاربية ، و الشعب المغاربي ، و حتى الدول المغاربية ، و لأن الآخر الاوروبي بلغته مستعمر ، بل (( و يحتل الوضع اللغوي مكانة بارزة في تحديد فضاء المغرب العربي ، و ذلك لأن اللغة لا تصلح للتواصل بل تصلح للوجود ، و بالإضافة إلى كونها أداة تواصل هي أيضا حقل للتعبير يتجاوز الرهان الأساسي فيه التخاطب إلى الهوية ، من هذا المنظور يبدو الوضع اللغوي الاجتماعي مغاربيا معقدا )) ، و مع ذلك فقد حسمه الطاهر وطار ، و مال نحو العربية ، هل لإيمانه بأن العربية لغة الهوية ؟ هل لإيمانه بأن شريحة القراءة العربية تكون أكثر من الشريحة التي تقرأ له في حال كونه كاتبا بالفرنسية ؟ هل لإتقانه العربية أكثر من اللغة الفرنسية و كون الأولى أقرب إليه من الثانية ؟

وطار و السلطة ( الحزب الحاكم في الجزائر )

إن  الفترة الممتدة من 1963 إلى 1984 من حياة الطاهر وطار تمثل فترة اقترابه العميق من السلطة ، في زمن كان الحزب هو كل شيء في البلاد ، فقد عمل الطاهر وطار بحزب جبهة التحرير الوطني عضوا في اللجنة الوطنية للإعلام ، ثم  عمل مراقبا وطنيا حتى أحيل على التقاعد  وهو في سن 47.

منصب آخر ذي أهمية كبرى في حياة الدول ذات الحكم المرتكز على الحزب الأحادي ن و هو منصب سلطوي إلى أقصى درجة ، فقد شغل الطاهر وطار منصب مدير عام للإذاعة الجزائرية عامي 91 و1902  كما طمع في سلطة غير السلطة ، فعمل في الحياة السرية معارضا لانقلاب 1965 حتى أواخر الثمانينات.

إن قرب الطاهر وطار من مركز السلطة في الجزائر يتيح له فرصة التمثيل ، و الرسمية ، سواء في اشتغاله في الحزب أو في اشتغاله في الإذاعة الجزائرية ، مما يعني الإنتشار الأوسع له اسما و أدبا .

  

وطار و الحركة الجمعوية و النشاط الإعلامي ( الجمعية و المجلة )

تلعب وسائل الإعلام دورا فاعلا في الانتشار السريع للخبر و للعمل الأدبي (( نستطيع أن نحدد الإعلامياء بأنها علم معالجة الأخبار في إطار من المنطق ، و تلقائية المعلومات و الاتصالات البشرية ، لمعرفة الإعلام .و هذا يعني أن الإعلامياء تشمل ، بصورة لا تحتمل التفكيك ، على وسائل المعالجة ووظائفها ن و على طرق المعالجة و حقول تطبيقها )) فإلى جانب الانتشار الذي حققه الطاهر وطار من خلال الإذاعة الجزائرية التي كان في أعلى هرمها ، عمل  في بدايات نشاطه في الصحافة التونسية من مثل صحف : لواء البرلمان التونسي والنداء التي شارك في تأسيسها, وعمل في يومية الصباح، وتعلم فن الطباعة كما أسس أيضا في 1962 أسبوعية الأحرار ، وهي أول أسبوعية في الجزائر المستقلة ، كما أسس في 1963 أسبوعية الجماهير بالجزائر العاصمة  و في 1973 أسس أسبوعية الشعب الثقافي ، فتحقق له الذيوع من خلال عمله في الصحافة المكتوبة و الصحافة المسموعة إذا جاز لنا تجاوز فكرة أن الصحيفة بمثابة الجمعية فإننا نلقى الطاهر وطار على رأس جمعية وطنية هي جمعية الجاحظية و التي تصدر عنها مجلة التبيين .

وطار و صداقاته الأكاديمية ( علي ملاحي و السعيد بوطاجين )

الترجمة يقوم بها المختصون و العلماء و الأكاديميون ، و بالإضافة إلى دراسة الطاهر وطار و أدبه في الجامعات الجزائرية و العربية في رسائل دكتوراه و ماجستير و بحوث الليسانس نجد ترجمة أعماله إلى لغات العالم لفرنسية. الإنقليزية, الألمانية, الروسية, البلغارية، اليونانية, البرتغالية، الفيتنامية, العبرية, الأوكرانية.... الخ طريقا في سبيل تحقيق انتشاره الواسع في العالم ، و من حقق الكل يحقق الجزء .

إن مشاركة الأساتذة الجامعيين الجزائريين بمداخلات علمية في ملتقيات وطنية عن الطاهر وطار يجعل الناقد المشرقي في البلدان العربية ينتبه إلى هذه الظاهرة الإبداعية في المغرب العربي .

وطار و المد الإلكتروني ( دراسة لأكثر من ( 15) وثيقة إلكترونية )

قبل الحديث عن الانتشار الإلكتروني لأدب الطاهر وطار نتحدث عن الانتشار السمعي البصري له فقد حولت أعماله الأدبية إلى مسرحيات و أفلام سينمائية و تلفزيونية يضاف إليها لقاءاته و حواراته التلفزيونية و منه فقد حولت قصة نورة من مجموعة دخان من قلبي إلى فيلم من إنتاج التلفزة الجزائرية نال عدة جوائز  كما حولت . قصة الشهداء يعودون هذا الأسبوع إلى مسرحية نالت الجائزة الأولى في مهرجان قرطاج ، يضاف إليها مسرحية الهارب التي مثلت في كل من المغرب وتونس.

المقابل للنسخة الورقية لأي كتاب و لا سيما العمل القصصي قبل ظهور الحواسيب هو التمثيل السينمائي و المسرحي المصور بكاميرا الفيديو ، و لذلك درج الناس على استخدام مصطلح الرواية ، و هم يقصدون الفلم أو المسرحية ،  فمثلما يقول جان ريكاردو : (( الناس يؤثرون اليوم أن يخلطوا بين الرواية و السينما )) لأن مادة السينما و المسرحية هي في الأصل الرواية و القصة ، و لذلك نجد أن (( موضوع الأقصوصة يمكن أن يستخدم كعرض موجز للباليه ، و موضوع الرواية يمكن أن ينقل إلى المسرح أو الشاشة )) ، كبديل للإمتاع الذي يمسك باللحظة الزمنية الراهنة ، و هو مطلق التصوير الذي ترمي إليه الآداب و الآداب السردية على وجه الخصوص .

إن الذي يؤكد هذا الطرح هو ما يقصد من جمالية الصورة و التصوير في النقد الأدبي الفني الجمالي ، بما في ذلك الواقعية النقدية ، فقد (( سعى الروائيون منذ البداية تقريبا إلى أن يصبحوا آلة تصوير ( كاميرا ) . ليس أن يصبحوا آلة جامدة بل آلة تمتلك الحركة عبر الزمان و المكان ، و هو ما حققته الكاميرا في هذا القرن)) فأمسكت باللحظة الراهنة ، و حققت للأدب عبر تلاحم الفنون و تآزرها الإمساك باللحظة و السير نحو المطلق في التصوير .

السينما و الفيديو و التلفزيون و الإذاعة وسائل تقنية ، أكسبت الرواية شيوعا و ذيوعا و انتشارا مذهلا ما كانت لتحققه لها المطابع و الحبر و الورق ، و لذلك رأينا سماع الشرق بأدب الورق من خلال هذه الوسائل الاتصالية .

خاتمة

كل هذه العوامل التي ذكرناها تعطي الانطباع بأن الطاهر وطار كان أديبا عربيا ، فقد ضمنت للطاهر وطار الأديب الجزائري الواقع تحت وطأة بضاعتنا ردت إلينا و وطأة التبعية المغربية للمشرق الذيوع و التلقي الحسن حتى لا نقول الممتاز لدى إخواننا المشارقة ، لقد صدم الطاهر وطار من خلال اشتراكيته المشابهة لاشتراكية المشارقة و لغته العربية التي تشبه لغة المشارقة جودة و فصاحة و تحكمه في تقنيات السرد الذي يشبه تحكم أدباء المشرق بها نقلا إما عن الإنجليز أو الفرنسيين أو حتى ماكسيم غوركي و تولستوي و غير ذلك ، كما حقق التلقي من خلال صداقاته الأكاديمية مع الأدباء و النقاد الأكاديميين دائمي التنقل و الأسفار بين الجامعات العربية ، دراسة و تربصا و إعارة ... الخ .

ثم كانت العلاقة بين الطاهر وطار و السلطة في الجزائر ضامنة الانتشار الرسمي للطاهر وطار في المشرق العربي ، يساعده في ذلك إدارته للإذاعة الوطنية التي يسمعها جميع الناس في أطراف المعمورة .

الصحافة و العمل في المجلات أعطت للطاهر وطار دفعا قويا للانتشار و الكثرة في تلقي المشارقة للطاهر وطار و تناوله في كتبهم الأكاديمية و دراساتهم النقدية إما الجمالية و إما المضمونية و إما التأريخية للأدب العربي عموما و الأدب العربي في المغرب العربي على وجه الخصوص .

إن الكتاب أو الدراسة التي يقوم بها الأكاديميون الجزائريون مادة حية للنقاد الأكاديميين المشارقة للتعرف عن قرب على عالم الطاهر وطار الأدبي . و لا نجد دراسة تناولت السرد في المغرب العربي أو الجزائر لم تشر و لم تخصص حيزا للطاهر وطار عراب الرواية الجزائرية .

التلقي الإلكتروني صيحة العصر ، و لعل إطلالة بسيطة على الوثائق المرفقة تعطينا الانطباع بالتواجد الوطاري على صفحات الأنترنات ، سواء المكتبات الإلكترونية أم المقالات و الدراسات المنجزة هنا و هناك بما في ذلك السيرة الذاتية للطاهر وطار .



تحميل المقال